إن عملية الكشف عن الطلبة الموهوبين والمتفوقين تعتبر المدخل الطبيعي لأي مشروع أو برنامج يهدف إلى رعايتهم وإطلاق طاقتهم. وهي عملية في غاية الأهمية لأنه يترتب عليها اتخاذ قرارات قد تكون لها آثار خطيرة, ويصنف الطالب بموجبها على أنه موهوب بينما يصنف آخر على أنه غير موهوب. ومن جهة أخرى فإن نجاح أي برنامج لتعليم الطلبة الموهوبين والمتفوقين يتوقف بدرجة كبيرة على دقة عملية الكشف عنهم وسلامة الإجراءات التي اتبعت في اختيارهم.
وتمر عملية الكشف والاختيار في مراحل رئيسة: ففي المرحلة الأولى يتم الإعلان عن بدء مرحلة الترشيح من قبل المعلمين وأولياء الأمور لاختيار مجموعة من الطلبة تمثل المجموعة الرئيسة التي سيتم إخضاعها لمعايير ومحكات دقيقة ليتم اختيار المرشحين الحقيقيين منها في المرحلة الأخيرة.
ويميل المعلمون إلى ترشيح الطلبة الذين يتمتعون بصفات تروق لهم كالطاعة والتعاون والنظافة والترتيب والصحة. لذا, فإن دقتهم وفاعليتهم في الترشيح لم تتجاوز 50%. ولهذا فإنه من الضروري تدريبهم وإعدادهم لهذه المهمة وتزويدهم بالتعليمات والأدوات اللازمة والاعتماد بشكل أساسي على المعلمين الذين يعرفون الطلبة حق المعرفة, وقد يكون من الأفضل إجراء دراسة حالة يشارك فيها المعلمون والمرشد ومدير المدرسة. وتتراوح نسبة المرشحين من مجموع الطلبة ما بين 3-20% في المرحلة الأولى.
أما في المرحلة الثانية, فيتم تقليص عدد المرشحين الذين تم اختيارهم في المرحلة الأولى بنسبة معينة تختلف من برنامج إلى آخر. وفي هذه المرحلة تستخدم اختبارات الذكاء الفردية والجمعية واختبارات الاستعداد الدراسي والأكاديمي واختبارات التحصيل الدراسي واختبارات الإبداع والتفكير الإبداعي بالإضافة إلى مقاييس التقدير.
وفي مرحلة الاختيار النهائي للمرشحين, وبعد إجراء الاختبارات الموضوعية للطلبة الذين انطبقت عليهم شروط الترشيح وتجاوزوا مرحلة الاستقصاء أو التصفية الأولى, تتجمع البيانات المطلوبة, وتتم معالجتها بطريقة علمية مناسبة, ثم تستخرج لكل طالب علامة مجمعة. وفي ضوء هذه العلامات تدرج الأسماء في قائمة بالترتيب حسب علاماتهم. ويتولى القائمون على برنامج تعليم الموهوبين اختيار العدد المطلوب من القائمة حسب ترتيب العلامات. وقد تشكل لهذا الغرض لجنة مختصة يكون من بين مهماتها إجراء مقابلات شخصية للطلبة واتخاذ القرارات النهائية للاختيار. وبعد هذا كله, فقد تقع أخطاء في عملية الكشف والاختيار, ومن أبرزها اختيار الطالب غير جدير بالالتحاق بالبرنامج أو لا يستفيد من التحاقه بالبرنامج لعدم حاجته إليه, ويطلق على هذا النوع من الأخطاء “القبول الزائف”, أو أن يتم إسقاط طالب موهوب حقاً وحرمانه من الإفادة من خدمات البرنامج الخاص, ويطلق على هذا النوع من الأخطاء ” الرفض الزائف”. وبالإضافة إلى هذه الأخطاء فإن العديد من العوامل الأخرى تلعب دوراً في وقوع الخطأ, فالاختبارات المستخدمة تتأصل فيها عدم الدقة الكاملة في القياس النفسي أو التربوي, كما أنه قد يتم استخدام اختبارات لا تنسجم مع طبيعة الخبرات التي يقدمها البرنامج الخاص. ومن جهة أخرى فقد تؤثر السياسات والإجراءات التي يتبعها القائمون على البرنامج بشكل واضح في دقة الاختيار وبخاصة عندما يتعلق الأمر بإحداث التوازن المبني على أسس عرقية أو جغرافية أو جنسية. كما أن أسلوب معالجة البيانات المجمعة وقيام المختصين بأخطاء شخصية مقصودة كالتحيز مثلاً أو غير المقصودة الناتجة عن قلة الخبرة, قد يكون لهما آثار واضحة في دقة الاختيار.
وعلى أية حال, فإن استخدام عدة محكات للكشف عن الأطفال الموهوبين والمتفوقين واختيارهم لا يؤدي بالضرورة إلى اتخاذ قرارات أكثر قيمة من استخدام محك واحد, ذلك أن نوعية المحكات المستخدمة والطريقة التي اتبعت في تجميع وتلخيص البيانات الكمية (العلامات) عنصران مهمان يتوقف عليهما إلى حد كبير مدى سلامة القرارات المتخذة.
وبناء على ذلك, فالأمر إذن لا يتعلق بعدد المقاييس أو المحكات المستخدمة بقدر ما يتعلق بمدى مساهمة كل محك في فاعلية نظام الكشف والاختيار وصحته. ولما كان الوضع الطبيعي أن يتقدم لبرامج تعليم الموهوبين والمتفوقين أعداد تفوق كثيرا عدد المقاعد المتاحة, فإن القائمين على هذه البرامج يواجهون وضعاً يحتم عليهم استخراج مؤشر أو علامة كلية يتم بموجبها ترتيب المتقدمين في قائمة ترتيباً تنازلياً ومن ثم يصار إلى اختيار العدد المطلوب.
ولهذا الغرض فقد استخدم المختصون أساليب علمية متنوعة تعتمد بشكل أساسي على أسس ومعالجات إحصائية حاسمة في التوصل إلى قرارات مقنعة وسليمة. وإن استخدام الأسلوب الإحصائي المتمثل في تحليل الانحدار المتعدد يعتبر الأسلوب الأمثل الذي يمكن أن يشكل قاعدة موضوعية قوية لعملية دمج البيانات وصنع قرارات موثوقة في عملية الاختيار.
*المصدر
– الموهبة والتفوق والإبداع ، د. فتحي جروان، رئيس المجلس العربي للموهوبين والمتفوقين.
– موقع المنار موقع متخصص في التربية الخاصة