ظهر مصطلح الذكاء العاطفي ( الوجداني ) في أوائل التسعينات من القرن الماضي عندما نشر دانيل غولمان كتابه بعنوان الذكاء الانفعالي ( الوجدان ) : لماذا قد يكون أكثر أهمية من نسبة الذكاء التقليدي ؟ ويغطي مفهوم ذكاء الانفعالي مجموعة واسعة من المهارات والاستعدادات التي تخرج عن نطاق قدرات الذكاء التقليدي ويمكن تعريف ذكاء الوجدان بأنه ” القدرة على إدراك الانفعالات ومضمونها والتعبير عنها بشكل دقيق وتوافقي ، بما في ذلك قيم المشاعر وإنتاجها، التي تسهل الأنشطة الأخرى. كما يتضمن تنظيم الانفعالات لدى الفرد والآخرين، وفهم المعلومات الخاصة بالانفعالات ، والقدرة على إدراك هذه البنية المعرفية في الذات والآخرين ” . وبالتالي فأن الذكاء الانفعالي يتضمن قدرة الشخص على التعرف على مشاعره وانفعالاته وعلى التعامل مع المشاعر السلبية كالشعور بالإحباط وتراكم ضغوط الحياة بحيث يتمكن من استخدام وتوظيف المشاعر للوصول إلى قرارات سليمة.
فالذكاء الانفعالي ( الوجداني) يتضمن القدرة على التمييز بين مصادر الإحباط والتعامل معها. وبالتالي فان الفرد يحافظ على واقعية تعرفه بالمشكلة التي يحاول معالجتها ويشعر أنه ليس في طريق مسدود، كما يتضمن الذكاء الانفعالي حساسية الفرد وقدرته على فهم مشاعر الآخرين وتوقع ردود فعلهم ،والمهارات الاجتماعية اللازمة لبناء علاقات جيدة معهم بما في ذلك قدرة الاستماع والاستيعاب والإقناع والقيادة.وقد حدد غولمان في كتابة الشهير بعنوان ( الذكاء الانفعالي ) عام 1995م أبعاداً خمسة للذكاء الانفعالي (ص 182 إلى 183) .
وكما حدد سالوفي وماير أربعة أبعاد لذكاء الوجدان وهي :
1. إدراك المشاعر والتعبير عنها : ويشمل القدرة على التعرف على المشاعر الشخصية وعلى مشاعر الآخرين والقدرة على التعبير عن المشاعر بشكل دقيق وملائم اجتماعيا.
2. وضوح التفكير من خلال التحكم في المشاعر وفيه تصبح المشاعر جزء من العملية المعرفية كالإبداع أو حل المشكلات أو الذاكرة واتخاذ القرار, أي توظيف المشاعر للتأثير في وضوح عمليات التفكير وإضفاء المناخ الانفعالي لإدارة العقل للمشاعر .
3. فهم الانفعالات : ويشمل الإمكانات المعرفية في معالجة المعلومات الانفعالية , وتتضمن القدرة على الفهم من خلال الاستبصار بالعلاقات بين أنواع المشاعر المختلفة لأسباب وعواقب هذه الانفعالات وكذلك استيعاب الانفعالات والتغيرات التي تحدث لحظة الانفعالات لدى الفرد والجماعات.
4. إدارة الانفعالات : وتشمل القدرة على تنظيم الانفعالات ومراقبتها وضبطها وتوجيهها لدى الشخص في المواقف الاجتماعية المتنوعة مع الآخرين. وقد أصبح هذا البعد يدرس الآن في علم النفس فيما يطلق عليه (الميتا انفعالية Met Emotion ) أي الوعي بالانفعالات وإدارتها .
وقد حدث تطور في هذا الميدان عندما وضع غولمان اختباراً بعنوان اختبار ذكاء الوجدان والذي يستغرق تطبيقه 35 دقيقة ، مشيراً إلى ثبات هذا الاختبار وصدقه.
* أبعاد ذكاء الانفعالي وقياسه :
مع القبول المستقر لمفهوم الذكاء الانفعالي كأحد المفاهيم والعناوين الأساسية للذكاء الإنساني بدأ العمل على بناء أدوات لقياس هذا المفهوم, ومن بينها:
– مقياس غولمان لقياس ذكاء الانفعالي وأسماه مقياس الكفاية الانفعالية حيث تقدر الكفاية الانفعالية للشخص من خلال الاستجابة إلى فقرات الاَختبار من قبل الآخرين، ويتكون هذا الاختبار من خمسة أبعاد :
1- بعد الوعي بالذات : ويعني قدرة الإنسان على فهم مشاعره وميوله واتجاهاته نتيجة وعي ومتابعة وتقويم وتوجيه مستمر لها .
2- بعد إدارة الانفعالات : ويشمل قدرة الإنسان على عرض مشاعره والتعبير عنها بطريقة مقبولة اجتماعياً بعيدة عن الاستفزاز والحدة من إصدار الأحكام على سلوك الآخرين وبالتالي قدرة الفرد على التحكم في مشاعره.
3- بعد الدافعية : ويعني قدرة الإنسان على استخدام وتوظيف المشاعر لتحقيق الأهداف .
4- بعد التعاطف : ويعني قدرة الإنسان على فهم مشاعر الآخرين والتجاوب معها بدفء وحنان.
5- بعد المهارات الاجتماعية : ويشمل القدرة على التعامل مع الآخرين في مختلف المواقف الاجتماعية، ويعني ذلك التبادلية من حيث الإصغاء والاستجابة للآخر وفي مناخ ودود وصادق.
*عناصر الذكاء الانفعالي :
تتمثل عناصر الذكاء الانفعالي التي أشار لها جولمان (1995) على أن الذكاء الانفعالي يتكون من العناصر التالية : الثقة،حب الاستطلاع،العزم والرغبة، التحكم بالذات ،التقارب وفهم الآخرين، القدرة على التواصل، التعاون .
1- الثقة: الإحساس بالتحكم والسيطرة على الجسد والسلوك والعالم المحيط وإحساس الطفل أنه جدير بالنجاح فيما يفعله وأن الكبار سوف يساعدونه.
2- حب الاستطلاع: الإحساس بأن استكشاف الأشياء يعتبر إيجابياً ومبهجاً .
3- العزم والرغبة والقدرة على ترك الانطباع السابق والعمل على ذلك بإصرار وينتمي ذلك الى الإحساس بالكفاءة والجدارة .
4- التحكم بالذات والقدرة على تعديل تصرفات الذات والتحكم بها بطريقة ملائمة للسن والإحساس بالتحكم الداخلي .
5- التقارب والقدرة على الاختلاط القائم على فهم الآخرين وفهم الآخرين له.
6- القدرة على التواصل : الرغبة والقدرة على التبادل اللفظي مع الآخرين للأفكار والمشاعر والمفاهيم ويرتبط ذلك بالإحساس بالثقة في الآخرين والبهجة في الاختلاط بهم بما في ذلك الكبار .
7- التعاون والقدرة على الموازنة بين الحاجات الذاتية وحاجات الآخرين في الأنشطة الجماعية.
إن مكونات وعناصر الذكاء الانفعالي تساعد الباحث على إضافة فقرات جديدة لقياس الذكاء الانفعالي،حيث يمتلك الموهوبون هذه العناصر ،ويعبّرون عنها بحساسية زائدة ولديهم القدرة على استشعار مشاعر الآخرين.
* تطبيقات ذكاء الوجدان في التربية وفي العمل :
هنالك إطار عام للكفاءة الانفعالية يتضمن مهارتين هما :
– المهارة الأولى : وهي الكفاءة الشخصية : وتمثل قدرة الفرد على التعامل مع ذاته من حيث معرفته لقدراته وإمكاناته ونقاط القوة , ونقاط الضعف المتوافرة لدية من جهة, وقدراته على التنظيم الذاتي لرغباته ونزعاته ودوافعه وضبط هذه المكونات .
– المهارة الثانية : الكفاية الاجتماعية: وتتمثل في القدرة على الشعور باحتياجات الآخرين ومشاعرهم وعلى التفاعل الاجتماعي وإقامة علاقات سليمة معهم. وتتضمن الكفاية الانفعالية مجموعه مهارات شخصية واجتماعيه تؤدي إلى الانجاز الفعال في العمل .
و الذكاء الانفعالي هو قاعدة وأساس نمو الكفاءة الانفعالية وأساسها الأفراد الأكثر ذكاء وجدانياً أو لديهم قدرة أكبر على تنمية مهارات كفايتهم الانفعالية. وقد توصلت الدارسات إلى أن ذكاء الانفعالي يؤثر إيجاباً في كفاية المؤسسات بعامة من خلال ما يلي :
1. يخلق نمطاً مستقراً من العلاقات العامة الايجابية بين الإفراد .
2. يؤثر ذلك النمط من العلاقات العامة على نمو متميز باستقراره ومنهجيته المؤسسية وفاعلية إدارته .
3. الذكاء الانفعالي لدى المجموعات والمؤسسات يؤثر على الذكاء الانفعالي لدى الأفراد حيث المواقف الهانئة ( السعيدة أو الفرحة ) والتغذية الراجعة توفر دوافع ايجابية وأمانا لدى الأفراد لمزيد من النمو .
4. يؤثر الذكاء الانفعالي للمجموعات وكذلك للأفراد في الإنتاج ، لما في ذلك من بعداً عن التأرجح والاضطراب .
5. أظهرت الدراسات في هذا المجال أن الذكاء الانفعالي له علاقة بتحصيل الأطفال وبتحسين سلوكهم.
6. كما أشارت الدراسات إلى إن ضعف مستوى الذكاء الانفعالي لدى المعلمين والآهل يجعل انفعالات الأطفال حادة وسلوكياتهم عدوانية ويكونون أكثر تعرضاً للإحباط والاكتئاب.
7. إن إهمال التعامل الذكي انفعاليا مع الأطفال يجعلهم يلجئون إلى التلفزيون والفيديو بما فيها من خبرات انفعاليه مصطنعة وسطحية تؤدي إلى فقدان الأطفال للكثير من جوانب النمو الانفعالي الطبيعي .
8. تشير نتائج الدراسات النفسية التربوية والاجتماعية إلى أن أثر ذكاء الوجدان على النجاح في الحياة أعلى من أثر الذكاء العام.
9. أهمية وجود برامج خاصة لتغيير جانب خاص من السلوك وأخرى لإحداث تغيير جذري في شخصية المتدرب ومن ذلك ماسمي بعلم الذات وهذه البرامج تشجع الأطفال على التعرف على مشاعرهم واحتياجاتهم والحديث عنها وعلى تدريبهم على تحديد أولوياتهم وأهدافهم وعلى التعلم من الخبرات السابقة.
وبذلك فان علم الحياة يعمل على تطوير الشخصية بوجه عام ومن هذه البرامج برنامج حل النزعات إبداعياً, ويركز على تدريب الأفراد على تحديد بدائل لحل النزاع واحترام الخلفيات الثقافية والاجتماعية للآخرين وبالتالي إلغاء التعصب ومقاومته.
* العلاقة بين معامل الذكاء (IQ) والذكاء الانفعالي (EQ) :
إن معامل الذكاء (IQ) والذكاء الانفعالي (EQ) أسلوبان مختلفان ومنفصلان لقياس الذكاء وفي الواقع يوجد خلط بين التفكير وحدة الانفعالات ولكن هناك علاقة متلازمة بينهما(جولمان،1995).
يتميز الذكور الموهوبون ذوو معامل الذكاء المرتفع بقدرات فكرية واسعة وطموح منتج ومنظم ومثابر ، ولا ينشغل بنفسه كثيراً كما يكون أكثر ميلاً للنقد والتعالي والتشدد والكبت والتصلب في الخبرات الحسية والكتمان والفراغ الانفعالي والبرود، أما الأنثى ذات معامل ذكاء مرتفع فتتميز بالثقة الفكرية والطلاقة في التعبير عن أفكارها ،وتقدر الأمور الفكرية وتمتلك مدى واسعاً من الاهتمامات الفكرية والجمالية وتميل كذلك الى استبطان الذات والى التعرض للقلق والشعور بالذنب والتردد في التعبير عن الغضب مباشرة(Golman,1999).
* المصدر
– موقع منار متخصص في التربية الخاصة