أن الغالبية تناول موضوع التدخل المبكر ، وبرامج التدخل المبكر ، ولم يتطرق إلى المرحلة التي تسبق التدخل المبكر وهي التعرف المبكر أو الكشف المبكر وهذه مرحلة مهمة تسبق مرحلة التدخل المبكر ،ويقصد بالتعرف المبكر ” تلك المحاولات التي تبذل بقصد تحديد بعض المتغيرات في الفرد أو في البيئة مما يساعد على التنبؤ بالوضع النمائي للفرد في المراحل التالية، ويشير التعرف المبكر أيضا إلى أساليب التدخل التي يمكن أن تتخذ في المراحل المبكرة من النمو بما يدعم جوانب القوة في الفرد ، وبما يقلل من تأثير الإصابات ومظاهر الضعف “.(فتحي عبدالرحيم1999،ص103 ) .
* وقد ناقش العديد من العلماء والباحثين العوامل التي تؤثر على التقدم النمائي للطفل ، فمنهم من آثر أن هناك :
أ – متغيرات فسيولوجية بحتة ( من منظور طبي ) تؤثر على التقدم النمائي للمراحل المختلفة للطفل أي أن هذه المتغيرات ذاتية تكون بالطفل نفسه ومن هذه المتغيرات :
1- الاضطرابات الجينية والأيضية :
كخلل في الكروموسومات مثل حالات متلازمة داون ، أوان تكون البيئة داخل رحم الأم مصدرا من مصادر الخطر النمائي وذلك في حالة إصابة الأم ببعض الأمراض كالحصبة الألمانية أو احد الأمراض التناسلية ،أو تعاطي الأم للعقاقير والمسكنات والكحول وغيرها من المواد المضرة بالجنين ، أو إصابة الطفل بمرض الفينيل كيتنوريا وهو احد المشكلات الايضية .
2- أشكال الشذوذ الجسمي البسيط :
هناك بعض الدلالات على إن الشذوذ الصغرى في الجسم كشذوذ شكل الرأس واستدارته ، لها علاقة بعد انتظام نمو الجهاز العصبي المركزي ، حيث أظهرت دراسات طولية علاقة قوية بين أشكال الشذوذ الجسمي ونمو الجهاز العصبي المركزي ، يؤدي إلى مشاكل بالتعلم والسلوك في المراحل التالية من النمو .
ب- متغيرات بيئية تنظر بأن البيئة هي التي تؤثر على نمو الفرد ، بمعنى أن القصور في الاستثارة المبكرة ، والنقص في الخبرات الاجتماعية المبكرة ، ورفض الأم لطفلها من العوامل التي تؤثر سلبا على نمو الطفل .
بيد أن اغلب التأثيرات النمائية وأهمها تنتج عن أشكال تفاعل المتعدد الأبعاد والبعيدة المدى .
أن نموذج الفرز المبكر يقوم على المتغير الواحد ، وهو بذلك يتوازى مع المدخل الطبي الذي يقوم أيضا على المتغير الواحد لتشخيص المرض ، بحيث أن كلا منهما يؤكد على ضرورة تتبع مظاهر الضعف أو القصور الفردية في أوقات منفصلة . ويقوم نموذج الفرز المبكر على أساس ضرورة التعرف المبكر على المشكلات النمائية وذلك لأن استخدام الأساليب العلاجية تكون لأكثر فعالية تأثيرا إذا ما تمت في المراحل المبكرة ، ويفترض في ظل هذا النموذج أن ترك المشكلة دون علاج ( و ها نحن نتطرق إلى بعض المصطلحات الطبية مرة أخرى ) يؤدي إلى مشكلات ومظاهر قصور ثانوية خطيرة .
وهذا النوع من النماذج يتطلب أشخاصا مدربون تدريبا عاليا على أدوات متطورة تستطيع إن تميز بوضوح بين الأفراد الذين يعانون من مشكلات نمائية وبين غيرهم ممن لا يواجهون مثل هذه المشكلات ، وقد استخدم هذا النموذج للكشف عن دلالات مبكرة على احتمال وجود مشكلات جسمية أو معرفية أو انفعالية .
ولقد اثبت هذا النموذج بوجه عام بأنه أسلوب فعال بالنسبة لمظاهر القصور الفسيولوجي الحادة ، وخاصة في مجال الكشف عن الاضطرابات الجينية والأيضية الذي أدى إلى التدخل الطبي المبكر الذي قلل في معظم الأحيان من المشاكل والآثار البعيدة المدى لمثل هذه الاضطرابات وخفف من حدتها ، كما كان له دوره الايجابي أيضا ( أي نموذج الفرز المبكر ) لبعض المشكلات البصرية والسمعية واضطراباتها أدى إلى التقليل بقدر الإمكان من المشكلات الثانوية في العلاقات الاجتماعية والمظاهر الانفعالية ومهارات التعلم ومفهوم الذات .
إلا أنه يعيب على نموذج الفرز المبكر بأنه لم يحقق سوى نجاحا قليلا في مظاهر القصور والضعف الأقل حدة ( مثل الآثار البعيدة المدى لسوء الأداء الوظيفي العصبي البسيط وصعوبات التعلم ، ومظاهر المعاملة السيئة والإهمال ).
* وهناك عدة قيود لخصها ” فرانكنبرج ” على نظام الفرز المبكر :
1- إن برامج الفرز المبكر يجب أن تهدف إلى الكشف عن حالات خطيرة لها أهميتها على نطاق المجتمع الواسع .
2- أن تتوافر لهذه البرامج مقاييس يمكن بواسطتها تمييز وجود الحالات من عدم وجودها .
3- أن تؤدي هذه البرامج إلى تحسن في مستقبل الحالات إذا ما تم التعرف عليها وعلاجها في وقت مبكر مما لو تأخرت عملية التعرف .
4- أن تؤدي هذه البرامج إلى تغير واضح ودال في الموعد المعتاد للتشخيص .
5- أن تكون الحالات التي يتم فرزها منتشرة نسبيا .
6- أن تتوافر الأساليب العلاجية المبكرة الملائمة .
7- أن تتوافر التسهيلات لتقديم الأساليب العلاجية للحالات التي يتم التعرف عليها .
8- أن لا تسبب أساليب الفرز ذاتها أضرارا للأفراد الذين يخضعون لها .
9- أن تكون أساليب الفرز المستخدمة فعالة بالقياس إلى الأموال التي تنفق عليها .
10- أن تكون الأساليب المستخدمة للفرز مقبولة من جانب المجتمع موضع الدراسة .
* المصدر
– قضايا ومشكلات في الإعاقة ورعاية المعوقين النظرية والتطبيق ، فتحي السيد عبد الرحيم .
– المنتدى السعودي للتربية الخاصة .