اعاقتي – اسماء ماهر
على الرغم من الظروف الصعبة التي تمر بها المناطق المحررة الخاضعة لسلطة المعارضة السورية في جنوب البلاد؛ نتيجة الحصار المفروض عليها من قبل قوات نظام الأسد، والوضع الأمني الهش الذي تشهده، لا تتوانى المنظمات التطوعية في محافظة درعا جنوب سوريا، عن ابتكار وإطلاق الفعاليات المدنية، والأنشطة الهادفة، التي من شأنها إيلاء مختلف شرائح المجتمع، لا سيما المهمشة، الرعاية والاهتمام، ومنهم ذوو الاحتياجات الخاصة، سواء الذين ولدوا بإعاقاتهم أم تسببت بها الحرب.
ويعد “مركز التربية الخاصة للإعاقات السمعية والنطقية والذهنية” لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، والذي أُسس أواخر أبريل/ نيسان الماضي في بلدة معربة في ريف درعا الشرقي، بادرة غير مسبوقة في المنطقة، يهدف إلى دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، من خلال تأهيل أفراد هذه الشريحة، وتعليمها، وفق الأساليب الحديثة المتعلقة بهذا المجال.
ويقول أحمد الحمصي، مدير المركز: إنه “يهتم ويعنى بفئات محددة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد أسهم في إطلاق أنشطته مجلس بلدة معربة، بالتعاون مع مجموعة من متطوعي العمل الإنساني من ذوي الاختصاص في هذا المجال، من أبناء البلدة والمنطقة”، لافتاً إلى أن “خطة عمل المركز التأهيلية والتعليمية، يشرف على وضعها وتنفيذها مدربون ومعلمون مختصون، وهي تستند إلى أحدث الطرق التعليمية الخاصة بهذه الفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة”.
وأضاف، في حديث لـ”الخليج أونلاين”، أن “المركز رغم إمكانياته المتواضعة يضع في أولويات أهدافه تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، من ذوي الإعاقات النطقية والسمعية والذهنية الخفيفة والمتوسطة، والعمل على دمجهم في المجتمع، ليصبحوا أعضاء فاعلين”، مشيراً إلى أن “عدد المسجلين في المركز بلغ حتى الآن 55 طفلاً، من أعمار خمس سنوات حتى اثنتي عشرة سنة، يلتزم بالدوام بشكل كامل منهم نحو 30 طفلاً”.
وحول أسباب الإعاقات أشار الحمصي إلى أن “هناك عدة عوامل وأسباب، لكن زواج الأقارب عامل مهم في ذلك، ولا سيما فيما يخص الإعاقات اللفظية والذهنية، أما فيما يتعلق بالإعاقات السمعية، فإن أصوات الانفجارات، والقنابل، والأصوات العالية الناتجة عن المعارك في المنطقة، وعدم تقديم العلاج المناسب في أوقاته المحددة، كل ذلك أسهم في تفاقم هذه الحالات، لافتاً إلى أن المركز هو المركز الوحيد في ريف درعا الذي يهتم بذوي الإعاقات السمعية والذهنية واللفظية، وأن أبوابه مفتوحة لكل أبناء المنطقة الشرقية من درعا، ولكل من يستطيع الوصول إليه، وليس حكراً على أبناء بلدة معربة”.
وأشار الحمصي إلى عدد من الصعوبات التي تواجه عمل المركز، والتي يأتي في مقدمتها “قلة الإمكانات المادية، وعدم توفر وسائط نقل لنقل رواد المركز، إضافة لعدم وجود كفلاء لتأمين بعض احتياجات الأطفال في المركز”، داعياً “المنظمات الإنسانية المحلية والعربية والدولية، إلى دعم عمل وأنشطة المركز، للمساهمة في تنفيذ نشاطاته المختلفة وخططه الطموحة لاستيعاب عدد كبير من ذوي الاحتياجات الخاصة في المستقبل، لتشمل فئات عمرية أكبر من المشار إليها”.
من جهتها لفتت السيدة فايزة، وهي مدربة مختصة، إلى أن “فرق المركز التطوعية تبذل جهوداً حثيثة لإنجاح العمل، وتسعى إلى تأهيل وتعليم المنتسبين إلى المركز من ذوي الإعاقات الأساسية، التي يختص بها”، مشيرة إلى أن “المركز يشهد إقبالاً متميزاً من أهالي ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يقدم لهم خدمات كبيرة، ويساعدهم على الاهتمام بأبنائهم، فهو إضافة إلى الحصص الدرسية، والأنشطة الترفيهية المرافقة، التي يقدمها للأطفال، يقدم أيضاً المعلومات والاستشارات عن كيفية التعامل مع الأطفال بطريقة مثلى”.
وذكرت لـ”الخليج أونلاين” أن عملها يتركز على تدريب الأولاد على النطق السليم للحروف والكلمات، لافتة إلى أنه “بعد استقبال الطفل من ذوي الإعاقة النطقية، يتم تقييم حالته ومستوى إعاقته من قبل المختصين، من خلال اختبار مبدئي، لتحديد العيوب اللفظية والنطقية، ومن ثم تبدأ عملية التهيئة لنطق كل حرف وطريقة ذلك”.
وأضافت: “نبدأ في ذلك من الحرف الأسهل إلى الأصعب بالنسبة للطفل، ونقوم بالتكرار والتدريب حتى تبدأ بوادر التصحيح للحرف، ثم نربط الحرف بكلمة من مقطع واحد، ومن ثم بكلمة من مقطعين، ونكرر ذلك حتى نشعر بتحسن اللفظ عند الطفل، مشيرة إلى وجود عدة أنشطة مرافقة يمارسها الأطفال في المركز، كالأنشطة الرياضية والموسيقية وأنشطة ترفيهية أخرى، وذلك لتحقيق التفاعل المناسب، وجذب الأطفال لتحقيق الأهداف المرجوة”.
افتتاح المركز لاقى استحسان أهالي معربة، والمنطقة الشرقية القريبة منه؛ لما له من أهمية ودور كبيرين في استيعاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
وذكرت والدة الطفل فايز الراضي أن ابنها “فايز، المصاب بإعاقة لفظية، كان يخضع لعمليات تأهيل وتعليم في الأردن، عندما لجأت إليه قبل عدة سنوات مع اشتداد الحصار والمعارك في المنطقة من قبل قوات النظام، لافتة إلى أنها كانت تدفع مقابل كل حصة درسية مبلغاً من المال، يضاف إليها أجور نقل الطفل إلى مركز التأهيل المختص، لكنها بعد عودتها إلى بلدتها نصيب القريبة من بلدة معربة سجلت ابنها في المركز مجاناً، ومنذ ذلك الحين بدأت تلمس تطوراً ملحوظاً على وضعه الصحي واللفظي، وبدأت تظهر عليه بوادر التحسن الإيجابي”.
ولفتت، في لقاء مع “الخليج أونلاين”، إلى “الاهتمام المتميز الذي يحظى به الأطفال من قبل فريق العمل في المركز، داعية الأهالي، وأولياء ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى تنسيب أبنائهم إلى المركز؛ لما له من دور كبير في تحسين الواقع الصحي لأبنائهم، الذي شوهدت نتائجه السريعة على عدد من المنتسبين إليه”.
بدوره، أكد محمد سليمان، من قرية الطيبة، وهو أخ لطفلين لديهما إعاقة سمعية، أن “المركز يقدم خدمات كبيرة لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث وفر عليهم الوقت وعناء السفر والبحث عن مراكز مختصة، في مناطق أخرى، في ظل ظروف أمنية شديدة الصعوبة”، لافتاً إلى التطور الكبير الذي طرأ على وضع أخويه الصحي والتعليمي، منذ انتسابهما للمركز”.
وأوضح أن أخويه لديهما إعاقات سمعية منذ الولادة، “زرعت لهما قوقعتان سمعيتان قبل عدة سنوات، ولكن منذ ثلاث سنوات، وأنا أبحث عن مراكز مختصة في المنطقة لإعادة تأهيلهما، ولكني لم أعثر على أي منها، بسبب الظروف التي تعيشها البلاد، ولكن مع افتتاح مركز معربة، عاد لي الأمل بإمكانية تأهيلهما، حيث تم قبولهما في المركز، وهما يخضعان الآن لدروس تأهيلية”.
ودعا، في لقاء مع “الخليج أونلاين”، إلى “تشجيع مثل هذه المراكز في جميع مناطق المحافظة، وتقديم المساعدات الممكنة للنهوض بعملها، لتكون قادرة على احتواء ذوي الإعاقات، بغية تأهيلهم وتعليمهم، لدمجهم في المجتمع”.